قانون أحكام الأسرة:

أُقرّ الشقّ (السنّي) دون الشيعي.. لماذا؟

تاريخياً كانت هناك ولاتزال حساسية مفرطة لدى علماء الشيعة من تدخل السلطات السياسية في الشؤون الدينية، ولأي سبب كان، وسواء كان التدخل إيجابياً أم سلبياً. لقد عمد علماء الشيعة في تاريخهم الى إبعاد السلطات الحاكمة عن الشؤون الدينية الخاصة بطائفتهم، وحرصوا أن يكونوا مستقلين عن الدولة في شؤونهم تلك، أو حتى قبول الدعم المالي منها.

ربما يكون هذا الإرث التاريخي واحداً من التفسيرات لموقف علماء الشيعة في البحرين من جهة رفضهم لمشروع قانون الأحوال الشخصية (الآن يسمى قانون أحكام الأسرة)، سواء أكان مشروعاً مشتركاً للشيعة والسنّة على حد سواء، أو كان خاصاً بهم وحدهم. لقد طرحت الحكومة مشروع القانون للجهتين السنيّة والشيعيّة، فرفضه علماء الشيعة، ما جعلها تطرح على البرلمان مشروعاً يتعلق بالمذهب السنّي بعد تلكؤ الشيعة في قبول ما يخصهم فيه، وقد حاز المشروع على موافقة البرلمان مؤخراً.

ليست مشكلة علماء الشيعة مع المشروع تتعلق بالضرورة باعتراضات على مواد لا يرتضونها، بل أصل المشكلة يعود الى خشيتهم من أن يكون تنظيم الأحوال الشخصية وسيلة لتدخل السلطة السياسية في الشأن الديني الخاص. هذه الخشية تمددت لتشمل موضوعات أبعد من موضوعات الأسرة والمرأة الى الموضوع الديني كافة، وقد تنازلت الحكومة مؤخراً عن مشروع تنظيم الخطاب الديني، وكذلك عن مشروع تنظيم المؤسسات الدينية (المساجد والمآتم)، على أمل حصول تفاهم بين الطرفين.

الدولة ـ أية دولة ـ تميل الى توسيع هيمنتها على الفضاء الخاص، وبالتحديد في الشأن الديني، ومن هنا تنبع المخاوف لدى البعض. وتنظيم المؤسسات الدينية والخطاب والنشاط الدينيين بشكل عام، يمثل حاجة ماسّة للدولة، ولتطورها، وكذلك حاجة ماسّة للمواطنين أنفسهم.

ولكن كيف يمكن تنظيم كل ذلك بدون أن يعني تدخلاً من قبل السلطات وتوسعة لهيمنتها؟ كيف يمكن إقناع العلماء بأن تنظيم العمل الديني ومأسسته لا يعني تدخلاً (مخلاً على الأقل) من قبل السلطة؟

حاولت الحكومة إقناع العلماء الشيعة بأن من مصلحة العمل الديني أولاً، ومصلحة الدولة ومواطنيها ثانياً، أن يقبلوا بالقانون، وقدّمت في سبيل ذلك ضمانات معقولة تفيد بأنها لن تتدخل ولا ترغب في التدخل في الشأن الديني الخاص، وأن مرجعيته ستكون بيد العلماء أنفسهم الآن وفي المستقبل.. لكن كل ذلك لم يكن كافياً، ما جعل مشروع قانون أحكام الأسرة يتعثر حتى الآن.

يوم 27/5/2009، أصدر الملك قانوناً رقم (19) لسنة 2009 بشأن أحكام الأسرة بشقّه السنّي، وذلك بعد إقراره من قبل البرلمان، ونصّت المادة الثانية على أنه (لا يتم تعديل هذا القانون إلا بعد أخذ رأي لجنة من ذوي الإختصاص الشرعي من القضاة والفقهاء على أن يكون نصفهم من القضاة الشرعيين يصدر بتشكيلها أمر ملكي).

بعض العلماء يرون بأن أصل القانون جاء بدفع وضغط من الغرب على الحكومة البحرينية، ونظن أنه ليس كذلك، بل هو مطلب محلي شعبي.. وحتى لو كان الزعم صحيحاً، فإنه ليس مبرراً كافياً لرفضه، وهناك أسرٌ كثيرة تتعرض للظلم والإعتداء بسبب غياب القانون، وغلَبَة الاجتهادات الشخصية من قبل بعض القضاة الشرعيين الذين يتعاطون مع قضايا الأسرة والمرأة.

حتى الآن، فإن الضمانات الحكومية لم تهديء من مخاوف العلماء الشيعة، ويبدو أن الطرفين بحاجة الى المزيد من النقاش والحوار والتفاهم لكي يخرج القانون الى حيز الوجود ويرضي كلاً منهما، والذي نتمنّى أن يكون سريعاً، بعيداً عن المطالب التعجيزية والتي تتضمن في بعض الأحيان تغييراً في مواد دستورية أو إضافة مواد في الدستور.

الشيعة في البحرين شركاء في الدولة بسلطاتها الثلاث، وبالتالي فهم ليسوا غرباء عنها، ولا الدولة كيان غريب عنهم، وهذا يفترض أن الحساسية وعدم الثقة تخفّ ولو قليلاً، خاصة في هذا الوقت. قد يرى البعض بأن رفض قانون أحكام الأسرة مؤشر الى عدم ثقة علماء الشيعة وجمهورهم بأنفسهم، وكأنهم رقم ضعيف يخشى عليه من الكسر حتى لأتفه الأسباب.

مصلحة الدولة ليست شيئاً مختلفاً تماماً عن مصلحة الشيعة، وإقرار قانون أحكام الأسرة فيه فائدة لا تخفى لكل الأطراف المعنية بإصداره وتطبيقه والمشمولين بالتطبيق.